هل باعت إيران غزة؟
إيهاب السيد
ما أن وضعت الحرب أوزارها وانتهت حتى انطلقت الحملة المشبوهة المعتادة للنيل من إيران ومهاجمتها في محاولة يائسة للتقليل من آثار ونتائج وتداعيات الحرب وانتصارها الذي سيترك تداعيات استراتيجية كبيرة تساهم في تسريع زوال هذا الكيان المصطنع. هذه الحملة التي تنطلق في وقت واحد وبنفس واحد لتخالف الرأي العام السائد في الأمة، توحي بأن التعليمات صدرت من جهات نعرفها جميعاً وشارك فيها فئتان لا ثالث لهما. الفئة الأولى هي فئة عملاء الولايات المتحدة وأبواقها ممن يقبضون ثمن كل مقالة وتغريدة ومقابلة يجرونها وعملاء وأيتام الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي. والفئة الثانية هي المتعصبون والحاقدون طائفياً، الذين يرون أن العداء للشيعة هو قضيتهم الأولى بدون تفكير أو إعمال للعقل والحكمة، فيضعون أنفسهم بقصد أو بدون قصد في خدمة العدو وأهدافه. وجميعهم يسعون لإعادة إشعال نيران الفتنة الطائفية التي تراجعت إلى حد كبير جداً في ضوء الحرب مع إيران.
في سياق هذه الحملة تستخدم جملة مسوغات قد تبدو للمواطن العادي مقنعة ومبررة، حيث تقدم بأسلوب يبدو معتدلاً وواقعياً ومقنعاً. لكنها عند التمحيص البسيط تتكشف عن أكاذيب وتلاعب خبيث بالحقائق والوقائع.
أهم هذه الحجج هي أن إيران باعت غزة وتخلت عنها، ولم تشترط وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب في غزة، وأن هذا يدل على انتهازية إيران في موقفها من فلسطين (ويذهب البعض إلى القول أنه موقفها من أهل السنة عموماً). وطبعاً حقيقة الأمر أن هذه الحرب بدأت باعتداء صهيوني على إيران وقامت إيران على إثره بالدفاع عن نفسها معلنة من اللحظة الأولى أنها ستدافع عن نفسها وكرامتها وسيادتها لرد العدوان، حتى وقفه. أي أن إيران لم تدعي أنها تبدأ أو تشن حرباً من أجل تحرير فلسطين مثلاً، وبالتالي من الطبيعي أنها ستوقف الحرب عندما يتوقف العدوان، وهذا ما حصل.
النقطة الثانية هي أن تفاوضاً لم يحدث بين إيران وأمريكا لوقف العدوان. كل ما حصل، حسب المعلن في كافة وسائل الإعلام الأمريكية والعربية والصهيونية والعالمية، أن الرئيس الأمريكي ترامب اتصل بأمير قطر وطلب منه إبلاغ الإيرانيين أنه حصل على موافقة نتنياهو على وقف الحرب. وقد انتظرت طهران يوماً كاملاً قبل الرد بالموافقة انتظاراً لردهم المقرر على الاعتداء الأمريكي على منشآتها النووية.
ومن نافلة القول طبعاً أن أي إضعاف للعدو الصهيوني يصب حتماً في مصلحة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، سواء في غزة أو الضفة. وأن الحرب معه جولات نخوضها واحدة تلو الأخرى إلى أن يحين موعد المعركة الفاصلة والتحرير الكامل للأرض والمقدسات. وما حصل في هذه الجولة بين إيران والعدو كان هزيمة كبرى لهذا الكيان. هزيمة عسكرية تمثلت في تدمير الدفاعات الجوية وتحييدها وفي تدمير مئات المنشآت العسكرية والعلمية والأمنية والاقتصادية. وهزيمة معنوية تمثلت في اقتناع شريحة كبرى من المستوطنين الصهاينة بعدم جدوى الاستمرار في الحياة في أرض يعلمون أنهم اغتصبوها من أهلها الأصليين وأن لا مستقبل لهم فيها.
من الواضح أن الإعداد يتم الآن لاستئناف المفاوضات بين أمريكا وإيران وفيها سيتم وضع الشروط من قبل إيران وستكون غزة جزءاً منها بالتأكيد. ولعل ذلك بدأ بالفعل، فقط بدأت المساعدات الإنسانية تدخل لقطاع غزة وشماله تحديداً اليوم (الخميس 26/6/2025) بدون مقدمات أو إعلان من قبل حكومة الاحتلال، وهو أمر مستغرب من نتنياهو الذي كان يصر على منع قطرة ماء عن القطاع. فما السر في ذلك؟
إن هؤلاء المشبعين بالحقد الطائفي البشع على إيران صمتوا ولم يستطيعوا النطق بحرف واحد أثناء الحرب الدائرة وخصوصاً وهم يرون الصواريخ والمسيرات الإيرانية تنهمر كالمطر على رؤوس المستوطنين. لكنهم انبروا لمهاجمتها فور توقف القتال في محاولة لسرقة وهج الانتصار والفرح والكرامة والثأر التي شعر بها كل أبناء الأمة وهم يتابعون مشاهد سقوط الصواريخ على رؤوس المستوطنين في مشهد شفى غليل الملايين من الشرفاء والمظلومين في غزة وفلسطين وباقي الأمة. وستظهر الكثير من الحقائق والخفايا التي ستكشف الكثير من الوقائع التي أخفاها العدو الصهيوني ورقابته العسكرية. فعلى سبيل المثال ذكر ضابط المخابرات الأمريكي المتقاعد ماغواير أنه من متابعته وتحليلاته توصل إلى أن قرابة ثلث تل أبيب قد تدمر بالقصف. تخيل يا عزيزي ثلث مدينة تل أبيب الضخمة مدمراً ولم يصلنا في الإعلام إلا خبر بضعة مباني هنا وهناك. وما خفي أعظم.
هذه الحرب كانت الوصفة التي انتظرناها طويلاً لنخرج من عباءة الفتنة والفرقة والتفريق المذهبي والطائفي، لنتوحد كأمة في مواجهة أعداء لا يفرقون بيننا كمسلمين وعرب إلا بما يخدم مخططهم للسيطرة علينا وعلى بلادنا. ألم نتعلم منذ الصغر أن المستعمر يعتمد دائماً مبدأ (فرق تسد). فهل نتعلم؟